این سوره بیست و شش آیتست، هفتاد و دو کلمه، سیصد و سى حرف. جمله به مکه فرو آمد، آن را مکى گویند. و درین سوره یک آیت منسوخ است: لسْت علیْهمْ بمصیْطر منسوخ است بآیه سیف. ابى کعب روایت کند از مصطفى (ص) که گفت: «هر که این سوره برخواند الله تعالى در قیامت شمار او آسان کند».


هلْ أتاک اى قد «اتیک». و قیل: معناه: لم یکن اتاک کقوله: «ما کنْت تعْلمها أنْت و لا قوْمک» اى لم یکن هذا من علمک و لا من علم قومک حتى اعلمتکم استفهام و معناه هاهنا تعظیم المستفهم عنه، اى تنبه للغاشیة و «الغاشیة» القیامة، لانها تغشى کل شی‏ء و ترکبه کاللیل اذا یغشى کل شی‏ء. و قیل: لانها تغشى القلوب بشدائدها و اهوالها. و قیل: «الغاشیة» النار تغشى وجوه‏ الکفار بالعذاب لقوله: «تغْشى‏ وجوههم النار» قال اهل التفسیر استفهم نبیه (ص) و قد علم انه لم یأته حدیث القیامة على هذا التفصیل و اراد به ان یخبره بذلک على هذا الوجه المذکور فقال: وجوه یوْمئذ خاشعة ذلیلة متواضعة و الخشوع التذلل و الاتضاع یعنى: «وجوه» الکفار فهم «یومئذ» خاشعون من الذل. هذا کقوله: «و تراهمْ یعْرضون علیْها خاشعین من الذل» عاملة ناصبة قال ابن عباس: یعنى: الذین عملوا و نصبوا فی الدنیا على غیر دین الاسلام من عبدة الاوثان و کفار اهل الکتاب مثل الرهبان و اصحاب الصوامع الذین ضل سعیهم فی الحیاة الدنیا لا یقبل الله منهم اجتهادا فی ضلالة یدخلون النار یوم القیامة. و قال عکرمة و السدى: «عاملة» فى الدنیا بالمعاصى «ناصبة» فی النار فی الآخرة. و قیل «عاملة» فى النار «ناصبة» فیها. قال الحسن: لم تعمل لله فی الدنیا فاعملها و انصبها فی النار بمعالجة السلاسل و الاغلال. و قال ابن مسعود: تخوض فی النار کما تخوض فی الوحل. و قال الکلبى: یجرون على وجوههم فی النار.


و قال الضحاک: یکلفون ارتقاء جبل من حدید فی النار. و الکلام خرج على الوجوه و المراد منها اصحابها.


تصْلى‏ نارا حامیة قرأ ابو عمرو و یعقوب و ابو بکر «تصلى» بضم التاء اعتبارا بقوله: تسْقى‏ منْ عیْن آنیة و قرأ الآخرون بفتح التاء من صلى یصلى و «تصلى» من اصلاه الله «نارا حامیة» اى متناهیة فی الحرارة.


تسْقى‏ منْ عیْن آنیة بلغت اناها فی نضجها و ادراکها لو وقعت منها قطرة على جبال الدنیا لذابت، هذا شرابهم ثم ذکر طعامهم فقال: لیْس لهمْ طعام إلا منْ ضریع قال مجاهد و عکرمة و قتادة. هو نبت ذو شوک لا طى بالارض، یقال لرطبها: الشبرق فاذا یبس سمى ضریعا و هو اخبث طعام و ابشعه.


قال الکلبى: لا تقربه دابة اذا یبس. و فی الحدیث عن ابن عباس «یرفعه الضریع شی‏ء فی النار شبه الشوک امر من الصبر و انتن من الجیفة و اشد حرا من النار. قال المفسرون:


فلما نزلت هذه الآیة، قال المشرکون: ان الضریع لتسمن علیه ابلنا و کذبوا فی ذلک فان الإبل انما ترعاه ما دام رطبا و یسمى شبرقا فاذا یبس کان ضریعا لا یأکله شی‏ء فانزل الله عز و جل: لا یسْمن و لا یغْنی منْ جوع قیل فی التفسیر: یلقى علیهم الجوع فاذا استغاثوا اطعموا الضریع و الزقوم فیغصون به فیتذکرون. انهم اذا غضوا فی الدنیا بطعامهم سوغوه بالماء فیسقون منْ عیْن آنیة بعد استغاثة طویلة. فاذا ادنوا من وجوههم تناثرت لحوم وجوههم فی الشراب فاذا شربوه قطع امعائهم. ثم وصف اهل الجنة فقال: وجوه یوْمئذ ناعمة متنعمة ذات نضارة و نعمة.


لسعْیها راضیة اى رضیت عملها فی الدنیا حین رأت ثوابه فی الآخرة.


و قیل: فیه تقدیم و تأخیر، و التقدیر «راضیة» لسعیها و اللام زیادة کما تقول: ضارب لزید، و انت ترید ضارب زیدا. و قیل: بثواب عملها فی الجنة «راضیة». قیل: هم اهل السنة.


فی جنة عالیة اى مرتفعة من وجهین: علو الشرف و الجاه و علو المکان و الارتفاع: و قیل: الجنة «عالیة» لانها فی السماء درجاتها من فوق و جهنم هاویة لانها فی الارض درکاتها من تحت.


لا تسْمع فیها لاغیة قرأ ابن کثیر و ابو عمرو و یعقوب بروایة رویس: لا یسمع بالیاى و ضمها «لاغیة» بالرفع و قرأ نافع: بالتاء و ضمها «لاغیة» بالرفع و قرأ ابن عامر و الکوفیون و یعقوب بروایة روح و ابن حسان «لا تسمع» بفتح التاء «لاغیة» بالنصب على الخطاب للنبى (ص) اى «لا تسْمع فیها» کلمة ذات لغو و قیل: لا یسمع بعضهم بعضا کلمة هجر و شتم کما یسمع اهل الشراب فی الدنیا.


فیها عیْن جاریة اراد عیونا، لان العین اسم جنس و معناه: انها تجرى على ما یریدونه تجرى فی اى موضع ارادوا جریها فیه و یجوز ان تکون «جاریة» اى دائمة ابدا لا تنقطع. و یجوز ان تکون العین من الماء او من الخمر او من العسل او من اللبن.


«فیها سرر» جمع السریر الواحها من ذهب مکللة بالزبرجد و الدر و الیاقوت.


«مرفوعة» اى رفیعة عالیة طولها مائة فرسخ. و قیل: مرتفعة ما لم یجی‏ء اهلها فاذا اراد ان یجلس علیها تواضعت له حتى یجلس علیها ثم یرتفع الى موضعها.


«و أکْواب» جمع کوب و هی الآنیة التی لا عروة لها و لا خرطوم. و قیل: الکوب القدح «موضوعة» یعنى: وضعت على حافات الانهار. و قیل: وضعت تزیینا للمجالس.


«و نمارق» اى وساید و مرافق «مصْفوفة» بعضها بجنب بعض یعتمدون علیها اذا جلسوا و یتکئون واحدتها نمرقة بضم النون: «و زرابی» اى طنافس «مبثوثة» اى مبسوطة لها خمل رقیق واحدتها زربیة. و قیل: «مبثوثة» متفرقة فی المجالس مختلفة فی الالوان.


أ فلا ینْظرون إلى الْإبل کیْف خلقتْ»؟ وجه تلفیق هذه الآیة بما قبلها ان القوم لما ذکر الله الجنة و ما اتخذ فیها من المنازل الرفیعة و السرر العالیة التى سبکها کذا و کذا قالوا ذراعا فکیف یقعد احدنا علیها و قامته قصیرة و هو لا یکاد یرقى سطحا بغیر سلم و تعجب المشرکون منه، فقال الله تعالى: أ فلا ینْظرون إلى الْإبل کیْف خلقتْ اى اذا اراد صاحبها ان یرکبها.


طأطأت رأسها له حتى یستوى علیها کذلک السرر تطأطأ للمومن بزرابیها و نمارقها حتى یستوى علیها فاذا تمکن علیها ترتفع و تصیر عالیة مستویة. و قیل: خص، هذه الاشیاء الاربعة بالذکر لان القوم کانوا اهل خباء و بدو فکانوا لا یشاهدون اذا برزوا من اخبیتهم الا الارض المبسوطة و الجبال المنصوبة و السماء المرفوعة و لم یکن لهم مال سوى «الإبل» فامرهم بالنظر و التفکر فی هذه الاشیاء التى کانت مشاهدة لهم لیستدلوا بذلک على وحدانیة الله عز و جل ثم ان «الإبل» من اخص مال العرب و اعزه فلذلک خصها بالذکر و فیها من العجائب ما لیس فی غیرها من الدواب خلق فی ذلک العظم یحلوا بالعین و تنهض بالحمل الثقیل و تنقاد بزمام یقودها الصبیان و ینیخونها اى موضع یریدونه و تعطش عشرة ایام فتسیر و تحمل و تبول من خلفها لان قائدها أمامها فلا یترشش علیه و عنقها سلم الیها و تعتلف شوکا لا یعتلفه من الدواب شی‏ء و تطأ الفیافی و تطوى اللیل و ینتفع بدرها و نسلها و وبرها و لحمها، و هذه الوجوه لا تجتمع الا فی «الإبل» من دون سائر الحیوانات. قوله: و إلى السماء کیْف رفعتْ فوقهم على عظمها و متانة خلقها بلا عمد من تحتها و لا علاقة من فوقها.


و إلى الْجبال کیْف نصبتْ على تفاوت خلقتها و متانة ارکانها «کیف» نصبها الله على هذه الارض لیمنعها بها عن الحرکة و الاضطراب.


و إلى الْأرْض کیْف سطحتْ اى دحیت و بسطت.


فذکرْ اى ذکرهم الادلة و حثهم على التفکر فیها إنما أنْت مذکر لیس علیک الا الدعاء و التذکیر.


لسْت علیْهمْ بمصیْطر اى بمسلط فتقتلهم و تکرههم على الایمان. نزل هذا قبل ان یومر بقتالهم ثم نسخ بآیة القتال.


إلا منْ تولى و کفر فانک مسلط علیه بالجهاد و الله فیعذبه فى الآخرة الْعذاب الْأکْبر فعلى هذا القول یکون الاستثناء متصلا. و قیل: هو استثناء منقطع عما قبله: معناه: لکن منْ تولى و کفر بعد التذکیر.


فیعذبه الله الْعذاب الْأکْبر و هو ان یدخله النار و انما قال: الْأکْبر لانهم عذبوا فی الدنیا بالجوع و القحط و القتل و الاسر.


إن إلیْنا إیابهمْ اى رجوعهم بعد الموت لا یفوتنا و ان طال المدى.


ثم إن علیْنا حسابهمْ فى القیامة فنجازى المحسن باحسانه و المسى‏ء باساءته فیکون الحساب بمعنى الجزاء کقوله: «إنْ حسابهمْ إلا على‏ ربی» اى جزاوهم.